الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَغَطِّ فَمًا وَاكْظِمْ تُصِبْ فِي تَثَاؤُبٍ فَذَلِكَ مَسْنُونٌ لِأَمْرِ الْمُرَشَّدِ (وَغَطِّ) أَيُّهَا الْمُتَثَائِبُ (فَمًا) حَيْثُ غَلَبَك وَلَمْ تَسْتَطِعْ كَظْمَهُ (وَاكْظِمْهُ) إنْ اسْتَطَعْت فَإِنَّ الْمَسْنُونَ لَك إذَا تَثَاءَبْت أَنْ تَكْظِمَ , وَالْكَظْمُ مَسْكُ فَمِهِ وَانْطِبَاقُهُ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ مَهْمَا اسْتَطَاعَ , فَإِنْ غَلَبَ التَّثَاؤُبُ غَطَّى الْفَمَ بِكُمٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَيَدِهِ , وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ " وَقَالَ لِي شَيْخُنَا التَّغْلِبِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ لَهُ فِي قَبْرِهِ , وَأَغْدَقَ عَلَيْهِ سَحَائِبَ عَفْوِهِ وَبِرِّهِ: إنْ غَطَّيْت فَمَك فِي التَّثَاؤُبِ بِيَدِك الْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا , وَإِنْ كَانَ بِيَدِك الْيُمْنَى فَبِبَاطِنِهَا . قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْيُسْرَى لِمَا خَبُثَ وَلَا أَخْبَثَ مِنْ الشَّيْطَانِ , وَإِذَا وَضَعَ الْيُمْنَى فَبَطْنَهَا ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْغِطَاءِ , وَالْيُسْرَى مُعَدَّةٌ لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ , وَإِذَا غَطَّى بِظَهْرِ الْيُسْرَى فَبَطْنُهَا مُعَدٌّ لِلدَّفْعِ . انْتَهَى . فَإِنَّك إنْ فَعَلْت مَا أُمِرْت بِهِ مِنْ الْكَظْمِ حَسَبِ الطَّاقَةِ ثُمَّ تَغْطِيَةِ الْفَمِ إذَا لَمْ تُطِقْ الْكَظْمَ (تُصِبْ) مِنْ الْإِصَابَةِ وَهِيَ ضِدُّ الْخَطَأِ (فِي) فِعْلِك الَّذِي فَعَلْته مِنْ الْكَظْمِ وَالتَّغْطِيَةِ فِي (تَثَاؤُبٍ) بِالْهَمْزِ تَثَاؤُبًا , وِزَانُ تَفَاعَلَ تَفَاعُلًا , قِيلَ هِيَ فَتْرَةٌ تَعْتَرِي الشَّخْصَ فَيَفْتَحُ عِنْدَهَا فَاهُ . وَتَثَاوَبَ بِالْوَاوِ عَامِّيٌّ قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ . وَفِي الْقَامُوسِ تَثَاءَبَ وَتَثَاوَبَ أَصَابَهُ كَسَلٌ وَفَتْرَة كَفَتْرَةِ النَّعْسِ وَهِيَ الثُّؤَبَاءُ والثأب مُحَرَّكَةً . انْتَهَى . وَفِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: إذَا تَثَاءَبَ وَالِاسْمُ الثُّؤَبَاءُ , وَيُسَهَّلُ فَيُقَالُ تَثَاوَبَ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَصْلُهُ مِنْ ثيب فَهُوَ مثيب إذَا كَسِلَ وَاسْتَرْخَى فَظَهَرَ بِمَا قُلْنَا أَنَّ الْوَاوَ لُغَةٌ لَا كَمَا قَالَ الْحَجَّاوِيُّ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: مَنْ تَثَاءَبَ كَظَمَ مَا اسْتَطَاعَ لِلْخَبَرِ وَأَمْسَكَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ أَوْ غَطَّاهُ بِكُمِّهِ أَوْ غَيْرِهِ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّثَاؤُبُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ " وَفِيهِ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ , فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَاهْ هَاهْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ , وَالْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ " وَقَدَّمْنَا حَدِيثَ " الْعُطَاسُ مِنْ اللَّهِ وَالتَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ " قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا أَحَبَّ الْعُطَاسَ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ خِفَّةِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحِ الْمَسَامِّ وَتَيَسُّرِ الْحَرَكَاتِ , وَالتَّثَاؤُبُ بِخِلَافِهِ . وَلَا يُزِيلُ يَدَهُ عَنْ فَمِهِ حَتَّى يَفْرُغَ تَثَاؤُبه . وَيُكْرَهُ إظْهَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى كَفِّهِ . وَإِنْ احْتَاجَهُ تَأَخَّرَ عَنْ النَّاسِ وَفَعَلَهُ . وَعَنْهُ يُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ مُطْلَقًا . (فَذَلِكَ) الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَك مِنْ الْكَظْمِ وَالتَّغْطِيَةِ وَإِدَامَةِ التَّغْطِيَةِ إلَى فَرَاغِ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمِ إظْهَارِ صَوْتٍ بِنَحْوِ هَاهْ وأخ وَمَا لَهُ هِجَاءٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ يَعْنِي إظْهَارَ مَا لَهُ حُرُوفُ هِجَاءٍ أَبْطَلَهَا ; لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ (مَسْنُونٌ) يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ لِاقْتِدَائِهِ (بِأَمْرِ الْمُرَشِّدِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدَّدَ الشِّينَ رحمه الله ضَرُورَةً , و الْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم , مَأْخُوذٌ مِنْ الرُّشْدِ يُقَالُ رَشَدَ كَنَصَرَ وَفَرِحَ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا اهْتَدَى , وَالرُّشْدُ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ مَعَ تَصَلُّبٍ فِيهِ , وَالرَّشِيدُ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ , وَاَلَّذِي حَسُنَ تَقْدِيرُهُ فِيمَا قَدَّرَ . وَلَا شَكَّ أَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم أَرْشَدَ النَّاسَ إلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَالدِّينِ الْمَتِينِ الْقَوِيمِ , فَهُوَ الْمُرْشِدُ الْحَكِيمُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ . (تَتِمَّةٌ) رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ " سَبْعٌ مِنْ الشَّيْطَانِ , شِدَّةُ الْغَضَبِ , وَشِدَّةُ الْعُطَاسِ , وَشِدَّةُ التَّثَاؤُبِ , وَالْقَيْءُ , وَالرُّعَافُ , وَالنَّجْوَى , وَالنَّوْمُ عِنْدَ الذِّكْرِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(وَ) إنَّمَا يُبَاحُ الدَّوَاءُ حَيْثُ (لَمْ تَتَيَقَّنْ) , وَالْيَقِينُ الْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ هُنَا وَهُوَ فِي الْأَصْلِ إزَاحَةُ الشَّكِّ , وَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمِ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ (فِيهِ) أَيْ الدَّوَاءِ الَّذِي تَتَدَاوَى بِهِ (حُرْمَةَ مُفْرَدٍ) مِنْ مُفْرَدَاتِهِ , فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ بِمُحَرَّمٍ أَوْ فِي مُفْرَدَاتِهِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ حَرُمَ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ رضي الله عنهما . وَكَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْكِرِ . وَلَا فَرْقَ فِي الْمُحَرَّمِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَأْكُولًا وَغَيْرِهِ مِنْ صَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغَيْرِهِ , وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي أَلْبَانِ الْآتِنِ وَفِي التِّرْيَاقِ وَالْخَمْرِ , وَنَقَلَهُ الْمَرْوَذِيُّ فِي مُدَاوَاةِ الدُّبُرِ بِالْخَمْرِ . وَلَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِشُرْبِ دَوَاءٍ بِخَمْرٍ وَقَالَ أُمُّك طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَشْرَبْهُ حَرُمَ شُرْبُهُ . نَعَمْ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ إبِلٍ فَقَطْ . ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ . (تَنْبِيهٌ) الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ أَكْلًا وَشُرْبًا سَمَاعًا وَبِسُمٍّ وَتَمِيمَةٍ وَهِيَ خَرَزَةٌ أَوْ خَيْطٌ وَنَحْوُهُ يَتَعَلَّقُهَا . وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: تَرْكُ التَّدَاوِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَفْضَلُ . فَعَلَى هَذَا تَرْكُ تَدَاوِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ لَيْسَ بِأَفْضَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ , وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً , فَتَدَاوَوْا وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ . كَمَا قَالَ فِي الْآدَابِ . وَفِي الْفُرُوعِ عَنْ الْبُلْغَةِ: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِخَمْرٍ فِي مَرَضٍ , وَكَذَا بِنَجَاسَةٍ أَكْلًا وَشَرَابًا وَظَاهِرُهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِطَاهِرٍ . وَفِي الْغُنْيَةِ لِسَيِّدِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ رضي الله عنه يَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ وَشَيْءٍ نَجَسٍ . وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يَجُوزُ اكْتِحَالُهُ بِمِيلِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (ما يجوز التداوي وما لا يجور) , وَذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهَا حَاجَةٌ وَيُبَاحَانِ لَهَا , وَلَا بَأْسَ بِالْحَمِيَّةِ . نَقَلَهُ حَنْبَلٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَجِّحْ عَلَى الْخَوْفِ الرَّجَا عِنْدَ بَأْسِهِ وَلَاقِ بِحُسْنِ الظَّنِّ رَبَّك تسعد (وَرَجِّحْ) أَيْ غَلِّبْ وَمَيِّزْ , مِنْ رَجَحَ الْمِيزَانُ يَرْجَحُ مُثَلَّثَةٌ رُجُوحًا وَرُجْحَانًا مَالَ (عَلَى الْخَوْفِ) ضِدُّ الْأَمْنِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْفَزَعُ . قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: الْوَجَلُ وَالْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ وَالرَّهْبَةُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ غَيْرُ مُتَرَادِفَةٍ . قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ رضي الله عنه: الْخَوْفُ تَوَقُّعُ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَجَارِي الْأَنْفَاسِ . وَقِيلَ الْخَوْفُ اضْطِرَابُ الْقَلْبِ وَحَرَكَتُهُ مِنْ تَذَكُّرِ الْمَخُوفِ . وَقِيلَ الْخَوْفُ قُوَّةُ الْعِلْمِ بِمَجَارِي الْأَحْكَامِ . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذَا سَبَبُ الْخَوْفِ لَا نَفْسُهُ . وَقِيلَ الْخَوْفُ هَرَبُ الْقَلْبِ مِنْ حُلُولِ الْمَكْرُوهِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِهِ . وَفِي مَتْنِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: الْخَوْفُ الِانْخِلَاعُ عَنْ طُمَأْنِينَةِ الْأَمْنِ بِمُطَالَعَةِ الْجَزَاءِ . قَالَ الْمُحَقِّقُ: وَالْخَشْيَةُ أَخَصُّ مِنْ الْخَوْفِ فَإِنَّهَا لِلْعُلَمَاءِ بِاَللَّهِ . قَالَ تَعَالَى وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " إنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً " فَالْخَوْفُ حَرَكَةٌ , وَالْخَشْيَةُ انجماع وَانْقِبَاضٌ وَسُكُونٌ . فَإِنَّ الَّذِي يَرَى الْعَدُوَّ وَالسَّيْلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَهُ حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا حَرَكَتُهُ لِلْهَرَبِ مِنْهُ وَهِيَ حَالَةُ الْخَوْفِ , وَالثَّانِيَةُ سُكُونُهُ وَقَرَارُهُ فِي مَكَانٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ وَهِيَ الْخَشْيَةُ . قَالَ وَأَمَّا الرَّهْبَةُ فَهِيَ الْإِمْعَانُ فِي الْهَرَبِ مِنْ الْمَكْرُوهِ , وَهِيَ ضِدُّ الرَّغْبَةِ الَّتِي هِيَ سَفَرُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ . وَبَيْنَ الرَّهَبِ وَالْهَرَبِ تَنَاسُبٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا الِاشْتِقَاقُ الْأَوْسَطُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ تَقَالِيبِ الْكَلِمَةِ عَلَى مَعْنًى جَامِعٍ . وَأَمَّا الْوَجَلُ فَرَجَفَانُ الْقَلْبِ وَانْصِدَاعُهُ لِذِكْرِ مَنْ يَخَافُ سُلْطَانَهُ وَعُقُوبَتَهُ أَوْ لِرُؤْيَتِهِ . وَأَمَّا الْهَيْبَةُ فَخَوْفٌ مُقَارِنٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَأَكْثَرُهَا تَكُونُ مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ . وَالْإِجْلَالُ تَعْظِيمٌ مَقْرُونٌ بِالْحُبِّ . فَالْخَوْفُ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ , وَالْخَشْيَةُ لِلْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ , وَالْهَيْبَةُ لِلْمُحِبِّينَ , وَالْإِجْلَالُ لِلْمُقَرَّبِينَ , وَعَلَى قَدْرِ الْعِلْمِ يَكُونُ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم " إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً " وَقَالَ " لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا , وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا , وَلَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ , وَلَخَرَجْتُمْ إلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى " انْتَهَى . فَالْخَوْفُ سَوْطٌ يَسُوقُ الْمُتَمَادِيَ , وَيُقَوِّمُ الْأَعْوَجَ , وَيُلَيَّنُ الْقَاسِيَ , وَيُطَوِّعُ الْمُسْتَصْعِبَ . وَلَيْسَ هُوَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الرَّجَاءِ , فَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ عَلَى الْخَوْفِ . (الرَّجَا) بِالْمَدِّ وَقَصْرُهُ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ ضِدُّ الْيَأْسِ . قَالَ فِي الْمَطَالِعِ وَالْجَمْهَرَةِ: فَعَلْت رَجَاءَ كَذَا وَرَجَاءَ كَذَا بِمَعْنَى طَمَعِي فِيهِ وَأَمَلِي . قَالَ وَيَكُونُ أَيْضًا الرَّجَاءُ كَذَلِكَ مَمْدُودًا بِمَعْنَى الْخَوْفِ , وَمِنْهُ الْحَدِيثُ " إنَّا لَنَرْجُو وَنَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ أَيْ يَخَافُ . يُقَالُ فِي الْأَمَلِ رَجَوْت ورجيت , وَفِي الْخَوْفِ بِالْوَاوِ لَا غَيْرُ . قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي الْخَوْفِ أَلْزَمَتْهُ لِأَحْرُفِ النَّفْيِ وَلَمْ تَسْتَعْمِلْهُ مُفْرَدًا إلَّا فِي الْأَمَلِ وَالطَّمَعِ وَفِي ضِمْنِهِ الْخَوْفُ , إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يُؤَمِّلُهُ . قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ هَذَا فَقَدْ اسْتَعْمَلَتْهُ بِغَيْرِ لَا . انْتَهَى . وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: الْخَوْفُ مُسْتَلْزِمٌ لِلرَّجَاءِ , وَالرَّجَاءُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْخَوْفِ , فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ , وَكُلُّ خَائِفٍ رَاجٍ , وَلِأَجْلِ هَذَا حَسُنَ وُقُوعُ الرَّجَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَحْسُنُ فِيهِ وُقُوعُ الْخَوْفِ . قَالَ تَعَالَى قَالُوا: وَالرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْخَوْفِ . قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مُلَازِمٌ لَهُ , فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ مِنْ فَوَاتِ مَرْجُوِّهِ , وَالْخَوْفُ بِلَا رَجَاءٍ يَأْسٌ وَقُنُوطٌ . وَقَالَ تَعَالَى انْتَهَى . وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ , وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا مُتَعَادِلَيْنِ كَجَنَاحَيْ الطَّائِرِ . وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُغَلَّبُ الْخَوْفُ مُطْلَقًا , وَقِيلَ يُغَلَّبُ الرَّجَاءُ مُطْلَقًا , وَقِيلَ يُغَلَّبُ الْخَوْفُ فِي الصِّحَّةِ وَالرَّجَاءُ فِي الْمَرَضِ , وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (عِنْدَ بَأْسِهِ) أَيْ سَقَمِهِ وَمَرَضِهِ . وَالْبَأْسُ الْعَذَابُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ . وَبَئِسَ كَسَمِعَ بُؤْسًا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ . وَالْبَأْسَاءُ الدَّاهِيَةُ . وَالْمُرَادُ هُنَا عِنْدَ ضَعْفِهِ . وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُغَلِّبُ الشَّابُّ الرَّجَاءَ وَالشَّيْخُ الْخَوْفَ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُغَلِّبُ يَعْنِي الْمَرِيضَ رَجَاءَهُ , وَفِي الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ , وَقَالَهُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ . وَنَصُّ الْإِمَامِ رضي الله عنه: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا . زَادَ فِي رِوَايَةٍ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ . قَالَ شَيْخُنَا . وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ , وَلِهَذَا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ , إمَّا فِي نَفْسِهِ , وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ , وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الرَّجَاءِ بِلَا خَوْفٍ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ , إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي النَّاسِ . قَالَ: وَالرَّجَاءُ بِحَسَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ يَجِبُ تَرْجِيحُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا " وَأَمَّا الْخَوْفُ فَيَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى تَفْرِيطِ الْعَبْدِ وَتَعَدِّيهِ , فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالذَّنْبِ , انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَضَائِلَ جَمَّةً , وَرَدَتْ عَنْ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ . فَمِمَّا وَرَدَ عَنْهُ فِي فَضَائِلِ الْخَوْفِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ , الْإِمَامُ الْعَادِلُ , وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ , وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ , وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ , وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ , وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " . وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ , لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذروني فِي الرِّيحِ , وَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا , فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ , فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيك فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ , فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ قَالَ خَشْيَتُك يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتَك فَغَفَرَ لَهُ " . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ: إذَا أَنَا مُتُّ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ ذُرُّوهُ نِصْفَهُ فِي الْبِرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ , فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِيُعَذِّبَهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا بِهِ مَا أَمَرَهُمْ , فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ , وَأَمَرَ الْبَحْرَ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِيهِ , ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِك يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ , فَغَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ " . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا " أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رغشه اللَّهُ مَالًا , فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَيَّ أَبٍ كُنْت لَكُمْ؟ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ , قَالَ إنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ , فَإِذَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذروني فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ , فَفَعَلُوا , فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك؟ فَقَالَ مَخَافَتُك , فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ " قَوْلُهُ رغشه بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهُمَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ أَكْثَرَ لَهُ مِنْهُ وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ . وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ " . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ قَالَ " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنَ , إذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَنْ خَافَ أَدْلَجَ , وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ , أَلَا إنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ , أَلَا إنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ " قَوْلُهُ أَدْلَجَ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ إذَا سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ . وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ خَافَ أَلْزَمَهُ الْخَوْفُ السُّلُوكَ إلَى الْآخِرَةِ , وَالْمُبَادَرَةَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ , خَوْفًا مِنْ الْقَوَاطِعِ وَالْعَوَائِقِ . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه " أَنَّ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةُ اللَّهِ فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ فِي الْبَيْتِ , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ اعْتَنَقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَّ مَيِّتًا . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَهِّزُوا صَاحِبَكُمْ فَإِنَّ الْفَرَقَ فَلَذَ كَبِدَهُ " . قَوْلُهُ فَإِنَّ الْفَرَقَ إلَخْ الْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ هُوَ الْخَوْفُ . وَفَلَذَ كَبِدَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَطَعَهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ , وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ رَحْمَتِهِ أَحَدٌ " . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا , وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا , وَلَخَرَجْتُمْ إلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلَى اللَّهِ لَا تَدْرُونَ تَنْجُونَ أَوْ لَا تَنْجُونَ " قَوْلُهُ تَجْأَرُونَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ أَيْ تَضِجُّونَ وَتَسْتَغِيثُونَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْت مِثْلَهَا قَطُّ فَقَالَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا . فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ , وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا . فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدَّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤْسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ " قَوْلُهُ وَلَهُمْ خَنِينٌ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ الْبُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ بِاسْتِنْشَاقِ الصَّوْتِ مِنْ الْأَنْفِ .
وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي قوله تعالى " وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ": الْخَوْفُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ , وَهُوَ وَاقِعٌ بِأَسْبَابٍ . فَمِنْهَا الْخَوْفُ بِسَابِقِ الذَّنْبِ , وَمِنْهَا حَذَرُ التَّقْصِيرِ فِي الْوَاجِبَاتِ , وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ السَّابِقَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا يُكْرَهُ , وَمِنْهَا خَوْفُ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَوْفَ إذَا أَفْرَطَ قَتَلَ , وَالْمَحْمُودُ مِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ الَّذِي يَقْمَعُ الشَّهَوَاتِ , وَيُكَدِّرُ اللَّذَّاتِ , وَيَكُفُّ الْجَوَارِحَ عَنْ الْمَعَاصِي وَيُلْزِمُهَا الطَّاعَةَ . وَقَدْ يَنْحُلُ الْبَدَنَ , وَيُذْهِبُ الْوَسَنَ , وَيَزِيدُ بِهِ الْبُكَاءُ , وَلِذَلِكَ قِيلَ: لَيْسَ الْخَائِفُ مَنْ بَكَى وَعَصَرَ عَيْنَيْهِ , وَإِنَّمَا الْخَائِفُ مَنْ تَرَكَ مَا يُعَذَّبُ عَلَيْهِ . وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المطلب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنْ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا " . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ بَيْنَنَا , فَقَالَ أَوْ مَا سَمِعْتُمْ قوله تعالى
, وَخَوْفٌ بِلَا قُنُوطٍ . وَلَا بُدَّ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ (وَلَاقِ) أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (بِحُسْنِ الظَّنِّ) بِاَللَّهِ تَعَالَى (رَبَّك) جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ , فَإِنَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ بِهِ , فَإِنْ لَقِيته وَأَنْتَ حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ (تسعد) السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ , وَتَسْلَمْ السَّلَامَةَ السَّرْمَدِيَّةَ . وَمَفْهُومُهُ أَنَّك إنْ لَمْ تُلَاقِيهِ بِحُسْنِ الظَّنِّ تَشْقَ شَقَاوَةَ الْأَبَدِ , وَتَعْطَبُ عَطَبًا مَا عطبه غَيْرُك أَنْتَ وَأَمْثَالُك , فَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ ذَكَرَنِي " الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ واِبْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ الْعِبَادَةُ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ " إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللَّهِ " . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ واِبْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَيَّانَ أَبِي النَّضْرِ قَالَ خَرَجْت عَائِدًا لِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَلَقِيت وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ وَهُوَ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ , فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ , فَلَمَّا رَأَى وَاثِلَةَ بَسَطَ يَدَهُ وَجَعَلَ يُشِيرُ إلَيْهِ , فَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ حَتَّى جَلَسَ فَأَخَذَ يَزِيدُ بِكَفَّيْ وَاثِلَةَ فَجَعَلَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ , فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ كَيْفَ ظَنُّك بِاَللَّهِ؟ قَالَ ظَنِّي بِاَللَّهِ وَاَللَّهِ حَسَنٌ , قَالَ فَأَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي , إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ " . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاَللَّهِ الظَّنَّ إلَّا أَعْطَاهُ ظَنَّهُ وَذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِهِ " . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ إلَى النَّارِ , فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى شَفَتِهَا الْتَفَتَ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ إنْ كَانَ ظَنِّي بِك لَحَسَنٌ , فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُدُّوهُ أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي " . (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَكَّارٍ رحمه الله تعالى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ: أَنْ لَا تَجْمَعَك وَالْفُجَّارَ دَارٌ وَاحِدَةٌ . وَدَعَا رَجُلٌ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: لَا تُعَذِّبْنَا بِالنَّارِ بَعْدَ أَنْ أَسْكَنْت تَوْحِيدَك قُلُوبَنَا , ثُمَّ بَكَى وَقَالَ مَا إخَالُك تَفْعَلُ بِعَفْوِك , ثُمَّ بَكَى وَقَالَ وَلَئِنْ عَذَّبْتنَا بِذُنُوبِنَا لتجمعن بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْوَامٍ طَالَ مَا عَادَيْنَاهُمْ فِيك . وَقَالَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتْ مَنْ كَانَ يُشْرِكُ بِك بِمَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِك " . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَمِيرِ المؤمنين عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ إذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ بَكَى أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ بُكَاءً شَدِيدًا . (الثَّانِي) ظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى سَعَةِ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ مَعَ تَعْطِيلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي كَافٍ , وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ وَجَهْلٌ فَضَيْحٌ , فَإِنَّ رَجَاءَك لِمَرْحَمَةِ مَنْ لَا تُطِيعُهُ مِنْ الْخِذْلَانِ وَالْحُمْقِ كَمَا قَالَهُ مَعْرُوفٌ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْك فِي الدُّنْيَا بِسَرِقَةِ رُبْعِ دِينَارٍ لَا تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ هَذَا . وَلَمْ يُفَرِّقْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالتَّمَنِّي . وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجَاءَ يَكُونُ مَعَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ فِي الْإِتْيَانِ بِأَسْبَابِ الظَّفَرِ وَالْفَوْزِ . وَالتَّمَنِّي حَدِيثُ النَّفْسِ بِحُصُولِ ذَلِكَ مَعَ تَعْطِيلِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ . قَالَ تَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحُ الْكُبْرَى: الرَّجَاءُ لِعَبْدٍ قَدْ امْتَلَأَ قَلْبُهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ , فَمَثُلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ مِنْ كَرَامَتِهِ وَجَنَّتِهِ , فَامْتَدَّ الْقَلْبُ مَائِلًا إلَى ذَلِكَ شَوْقًا إلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَيْهِ , فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَادِّ عُنُقَهُ إلَى مَطْلُوبٍ قَدْ صَارَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ . قَالَ وَعَلَامَةُ الرَّجَاءِ الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّاجِيَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجَنَّةِ وَذَهَابِ حَظِّهِ مِنْهَا يَتْرُكُ مَا يَخَافُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُخُولِهَا . وَأَمَّا الْأَمَانِيُّ فَإِنَّهَا رُءُوسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ , أَخْرَجُوهَا فِي قَالَبِ الرَّجَاءِ , وَتِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ , وَهِيَ تَصْدُرُ مِنْ قَلْبٍ تَزَاحَمَتْ عَلَيْهِ وَسَاوِسُ النَّفْسِ فَأَظْلَمَ مِنْ دُخَانِهَا , فَهُوَ يَسْتَعْمِلُ قَلْبَهُ فِي شَهَوَاتِهَا , وَكُلَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنَّتْهُ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ وَالنَّجَاةَ , وَأَحَالَتْهُ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ , وَالْفَضْلِ , وَأَنَّ الْكَرِيمَ لَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ وَلَا تَضُرُّهُ الذُّنُوبُ وَلَا تُنْقِصُهُ الْمَغْفِرَةُ وَيُسَمِّي ذَلِكَ رَجَاءً , وَإِنَّمَا هُوَ وَسَاوِسُ وَأَمَانِيُّ بَاطِلَةٌ تَقْذِفُ بِهَا النَّفْسُ إلَى الْقَلْبِ الْجَاهِلِ فَيَسْتَرْوِحُ إلَيْهَا قَالَ تَعَالَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ وَالرَّجَاءِ إنْ حَمَلَ عَلَى الْعَمَلِ وَحَثَّ عَلَيْهِ وَسَاقَ إلَيْهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَنَافِعٌ , وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْمَقَامَاتِ وَرُءُوسِ الْمُعَامَلَاتِ وَإِنْ دَعَا إلَى الْبَطَالَةِ وَالْتَوَانِي وَالِانْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي وَالْأَمَانِيِّ وَالِانْكِبَابِ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْأَغَانِي فَهُوَ غُرُورٌ ضَارٌّ مُهْلِكٌ لِصَاحِبِهِ , وَقَاطِعٌ لَهُ عَنْ رَبِّهِ , وَقَامِعٌ لِهِمَّتِهِ عَنْ حُبِّهِ . وَحُسْنُ الظَّنِّ هُوَ الرَّجَاءُ , فَمَنْ كَانَ رَجَاؤُهُ حَادِيًا لَهُ عَلَى الطَّاعَةِ زَاجِرًا لَهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ رَجَاءٌ صَحِيحٌ , وَمَنْ كَانَتْ بَطَالَتُهُ رَجَاءً , وَرَجَاؤُهُ بِطَالَةً وَتَفْرِيطًا فَهُوَ الْمَغْرُورُ , وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأُمُورِ . وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ أَرْضٌ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ مِنْ مغلها مَا يَنْفَعُهُ , فَأَهْمَلَهَا بِلَا حَرْثٍ وَلَمْ يَبْذُرْهَا وَحَسُنَ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مغلها مِثْلُ مَا أَتَى مَنْ حَرَثَ وَبَذَرَ وَسَقَى وَتَعَاهَدَ الْأَرْضَ لَعَدَّهُ النَّاسُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ , وَكَذَا لَوْ حَسُنَ ظَنُّهُ وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , أَوْ يَصِيرَ أَعْلَمَ زَمَانِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لِلْعِلْمِ , وَبَذْلِ مَجْهُودِهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَتَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ وَتَحْقِيقِ فَوَائِدِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ , وَكَذَا مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ , وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ فِي الْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ , مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا طَاعَةٍ وَلَا امْتِثَالٍ لِمَا أَمَرَ تَعَالَى بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ , فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ وَيُعَدُّ مِنْ أَحْمَقِ الحمقاء . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْ رَجَا شَيْئًا اسْتَلْزَمَ رَجَاؤُهُ أُمُورًا . أَحَدُهَا مَحَبَّةُ مَا يَرْجُوهُ . الثَّانِي خَوْفُهُ مِنْ فَوَاتِهِ . الثَّالِثُ سَعْيُهُ فِي تَحْصِيلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ . وَأَمَّا رَجَاءٌ لَا يُقَارِنُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمَانِيِّ , وَالرَّجَاءُ شَيْءٌ وَالْأَمَانِيُّ شَيْءٌ فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ , وَالسَّائِرُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا خَافَ أَسْرَعَ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم " مَنْ خَافَ أَدْلَجَ , وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ " وَهُوَ جَلَّ شَأْنُهُ إنَّمَا جَعَلَ الرَّجَاءَ لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ . فَعُلِمَ أَنَّ الرَّجَاءَ إنَّمَا يَنْفَعُ إذَا حَثَّ صَاحِبَهُ عَلَى طَاعَةِ مَوْلَاهُ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حَسُنَ ظَنُّهُ بِاَللَّهِ مَعَ انْهِمَاكِهِ فِي اللَّذَّاتِ وَانْكِبَابِهِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالشُّبُهَاتِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ الْأَوَامِرِ وَالطَّاعَاتِ فَهُوَ مِنْ الْحُمْقِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ , وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَيْهِ أماني وَغُرُورٌ . وَاَللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ , وَقَدْ ذَكَرْت فِي كِتَابِي الْبُحُورِ الزَّاخِرَةِ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا صَالِحًا فَإِنْ رَاجَعْته ظَفِرْت بِمُرَادِك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (الثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالرَّغْبَةِ أَنَّ الرَّجَاءَ طَمَعٌ , وَالرَّغْبَةَ طَلَبٌ , فَهِيَ ثَمَرَةُ الرَّجَاءِ . فَإِنَّهُ إذَا رَجَا الشَّيْءَ طَلَبَهُ , وَالرَّغْبَةُ مِنْ الرَّجَا كَالْهَرَبِ مِنْ الْخَوْفِ . فَمَنْ رَجَا شَيْئًا طَلَبَهُ وَرَغِبَ فِيهِ , وَمَنْ خَافَ شَيْئًا هَرَبَ مِنْهُ . قَالَ تَعَالَى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ (قَالَ الْمُؤَلِّفُ) رحمه الله تعالى وَنَفَعَنَا بِهِ آمِينَ: وَتُشْرَعُ لِلْمَرْضَى الْعِيَادَةُ فَأْتِهِمْ تَخُضْ رَحْمَةً تَغْمُرْ مَجَالِسَ عُوَّدِ (وَتُشْرَعُ) أَيْ: تُسَنُّ وَتُنْدَبُ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى , وَالْإِقْنَاعِ (لِلْمَرْضَى): جَمْعُ مَرِيضٍ , وَهُوَ مَنْ اتَّصَفَ بِالْمَرَضِ , وَالْمَرَضُ حَالَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الطَّبْعِ ضَارَّةٌ بِالْفِعْلِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْآلَامَ , وَالْأَوْرَامَ أَعْرَاضٌ عَنْ الْمَرَضِ , وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْمَرَضُ: كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ مِنْ عِلَّةٍ , أَوْ نِفَاقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي أَمْرٍ , وَالْفَاعِلُ مَرِيضٌ وَجَمْعُهُ مَرْضَى , وَفِي الْقَامُوسِ الْمَرَضُ: إظْلَامُ الطَّبِيعَةِ وَاضْطِرَابُهَا بَعْدَ صَفَائِهَا وَاعْتِدَالِهَا يُقَالُ: مَرِضَ كَفَرِحِ مَرَضًا وَمَرِضًا , فَهُوَ مَرِضٌ وَمَرِيضٌ ومارض , وَالْجَمْعُ مِرَاضٌ وَمَرْضَى وَمَرَاضَى , أَوْ الْمَرَضُ بِالْفَتْحِ لِلْقَلْبِ خَاصَّةً وَبِالتَّحْرِيكِ , أَوْ كِلَاهُمَا الشَّكُّ وَالنِّفَاقُ انْتَهَى (الْعِيَادَةُ) أَيْ: الزِّيَارَةُ وَالِافْتِقَادُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: سُمِّيَتْ عِيَادَةً ; لِأَنَّ النَّاسَ يتكررون أَيْ يَرْجِعُونَ يُقَالُ: عُدْت الْمَرِيضَ عَوْدًا وَعِيَادَةً الْيَاءُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُطْلِعِ . وَفِي الْإِقْنَاعِ عَنْ ابْنِ حِمْدَانَ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَرْضُ كِفَايَةٍ . قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه: الَّذِي يَقْتَضِيه النَّصُّ وُجُوبَ ذَلِكَ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ , وَالْمُرَادُ مَرَّةٌ قَالَ: وَظَاهِرُهُ , وَلَوْ مِنْ وَجَعِ ضِرْسٍ وَرَمَدٍ وَدُمَّلٍ خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي بْنِ الْمُنَجَّا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ رحمه الله تعالى . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ , وَكَذَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ , وَقِيلَ: بَعْدَ أَيَّامٍ لِخَبَرٍ ضُعِّفَ , وَأَوْجَبَ أَبُو الْفَرَجِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ عِيَادَتَهُ , وَالْمُرَادُ مَرَّةً وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَفِي أَوَاخِرِ الرِّعَايَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَوَجْهٍ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَاخْتَارَهُ , وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعَكْبَرِيُّ: السُّنَّةُ مَرَّةً وَمَا زَادَ نَافِلَةٌ (فَأْتِهِمْ) أَيْ الْمَرْضَى يَعْنِي عُدْهُمْ (تَخُضْ) فِي حَالِ ذَهَابِك لِعِيَادَتِهِمْ وَإِيَابِك مِنْهَا (رَحْمَةً) أَيْ فِي رَحْمَةٍ مِنْ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ (تَغْمُرُ) أَيْ تُغَطِّي لِكَثْرَتِهَا (مَجَالِسَ) جَمْعُ مَجْلِسٍ (عُوَّدِ) جَمْعُ عَائِدٍ يُشِيرُ إلَى مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بَلَاغًا , وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مُسْنَدًا , وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ , وَالْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ , وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ .
(أَخْرَجَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ , وَالْأَوْسَطِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَادَ مَرِيضًا خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِيهَا , وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه , وَزَادَ: وَإِذَا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا يَزَالُ يَخُوضُ فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ , وَإِسْنَادُهُ إلَى الْحَسَنِ أَقْرَبُ . وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا , فَإِنَّمَا يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَ الْمَرِيضِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ قَالَ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلصَّحِيحِ الَّذِي يَعُودُ الْمَرِيضَ فَمَا لِلْمَرِيضِ؟ قَالَ: يَحُطُّ عَنْهُ ذُنُوبَهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ , وَالْأَوْسَطِ , وَزَادَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ أَشَارَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ إلَى ضَعْفِهِ . فَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مَلَائِكَةِ الرِّضَا تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ يَمْشِي إلَى الْغَدِ (فَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مَلَائِكَةِ الرِّضَا) يُرْسِلُهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (تُصَلِّي) السَّبْعُونَ أَلْفًا (عَلَى مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مُسْلِمٍ (عَادَ يَمْشِي) فِي حَالِ عِيَادَتِهِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ , وَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ أَيْ تَدْعُو وَتَسْتَغْفِرُ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ إعَادَتِهِ (إلَى الْغَدِ) , وَهُوَ ثَانِي يَوْمِ الْإِعَادَةِ . وَإِنْ عَادَهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ وَاصَلَتْ عَلَيْهِ إلَى اللَّيْلِ الصَّلَاةَ فَأَسْنِدْ (وَإِنْ عَادَهُ) أَيْ الْمَرِيضَ (فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ) أَيْ فِي بُكْرَةِ نَهَارِهِ (وَاصَلَتْ) الْمَلَائِكَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَائِدِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ (إلَى) دُخُولِ (اللَّيْلِ الصَّلَاةَ) أَيْ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ (فَأَسْنِدْ) ذَلِكَ عَنْ حَضْرَةِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ الَّذِي جَاءَنَا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَإِزَاحَةِ الضَّلَالَةِ . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مُحْتَسِبًا بُوعِدَ مِنْ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَقُلْت: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا الْخَرِيفُ؟ قَالَ: الْعَامُ . . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ , وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه , ثُمَّ قَالَ وَأُسْنِدَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , ثُمَّ رَوَاهُ مُسْنَدًا بِمَعْنَاهُ , وَلَفْظُ الْمَوْقُوفِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا إلَّا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ , وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ , وَرَوَاهُ بِنَحْوِ هَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَأَحْمَدُ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ , إذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ مَشَى فِي خرافة الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ , فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ الْحَدِيثَ , وَلَيْسَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ وَرَوَاهُ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا إلَّا يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ سَاعَاتِ النَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ وَفِي أَيِّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ حَتَّى يُصْبِحَ , وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا بِنَحْوِ التِّرْمِذِيِّ , وَقَالَ صَحِيحٌ . قَوْلُهُ: فِي خرافة الْجَنَّةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ فِي اجْتِنَاءِ ثَمَرِ الْجَنَّةِ يُقَالُ: خَرِفَتْ النَّخْلَةُ أَخَرَفَهَا , فَشَبَّهَ مَا يَحُوزُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يَحُوزُهُ الْمُخْتَرِفُ مِنْ التَّمْرِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ . وَفِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ قَوْلُهُ فِي عَائِدِ الْمَرِيضِ: فِي مخرفة الْجَنَّةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ , وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ جَنَاهَا يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: جَنَاهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ أَنَّ التَّفْسِيرَ لِأَبِي قِلَابَةَ وَلَفْظُهُ قُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ: مَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ: جَنَاهَا , وَهُوَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْفُوعِ . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: خُرْفَةُ الْجَنَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ , هُوَ مَا يُخْتَرَفُ مِنْ نَخْلِهَا أَيْ يُجْتَنَى انْتَهَى , وَفِي الْفَتْحِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ: هِيَ الثَّمَرَةُ إذَا نَضِجَتْ شَبَّهَ مَا يَحُوزُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يَحُوزُهُ الَّذِي يَجْتَنِي الثَّمَرَةَ , وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْمَخَارِفُ وَاحِدُهَا مُخْرَفٌ , وَهُوَ جَنَى النَّخْلِ ; لِأَنَّهُ يُخْتَرَفُ أَيْ يُجْتَنَى , وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُخْرَفَةُ: سلمة بَيْنَ صَفَّيْنِ مِنْ نَخِيلٍ يَخْتَرِفُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ أَيْ يَجْتَنِي , وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُخْرَفَةُ: الطَّرِيقُ أَيْ طَرِيقٌ تُؤَدِّيه إلَى الْجَنَّةِ , وَمِنْهُ قَوْلُهُ , وَتُرِكْتُمْ عَلَى مِثْلِ مُخْرَفَةِ النَّعَمِ قَالَ: وَعَلَى التَّفْسِيرَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَكُونُ مَعْنَاهُ فِي بَسَاتِينِ الْجَنَّةِ , وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: جَنَاهَا , وَهُوَ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم قَالَا: مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَظَلَّهُ اللَّهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَدْعُونَ لَهُ وَلَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَفْرُغَ , فَإِذَا فَرَغَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً , وَمَنْ عَادَ مَرِيضًا أَظَلَّهُ اللَّهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَرْفَعُ قَدَمًا إلَّا كَتَبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةً وَلَا يَضَعُ قَدَمًا إلَّا حَطَّ عَنْهُ سَيِّئَةً وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً حَتَّى يَقْعُدَ فِي مَقْعَدِهِ فَإِذَا قَعَدَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا أَقْبَلَ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَى مَنْزِلِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَلَيْسَ فِي أَصْلِي رَفْعُهُ وَرَوَاهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ يُشِيرُ إلَى ضَعْفِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا دَلِيلُ مَنْ أَوْجَبَ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إذَا لَقِيته فَسَلِّمْ عَلَيْهِ , وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ , وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ , وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ , وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ , فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ دَلَالَةً بَيِّنَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا بْنَ آدَمَ مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ: يَا رَبُّ كَيْفَ أَعُودُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ , أَمَا عَلِمْت أَنَّك لَوْ عُدَّتَهُ لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ يَا بْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُك فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ: يَا رَبُّ كَيْفَ أُطْعِمُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّهُ اسْتَطْعَمَك عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْت أَنَّك لَوْ أَطْعَمْته لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُك فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ: يَا رَبُّ كَيْفَ أَسْقِيك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاك عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إنَّك لَوْ سَقَيْته وَجَدَتْ ذَلِكَ عِنْدِي . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ , وَالْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عُودُوا الْمَرْضَى وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ . وَأَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: خَمْسٌ مَنْ عَمَلَهُنَّ فِي يَوْمٍ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا وَشَهِدَ جِنَازَةً وَصَامَ يَوْمًا وَرَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَعْتَقَ رَقَبَةً . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا , أَوْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ , أَوْ خَرَجَ غَازِيًا , أَوْ دَخَلَ عَلَى إمَامٍ يُرِيدُ تَعْزِيزَهُ وَتَوْقِيرَهُ , أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنْ النَّاسِ . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَادَ مَرِيضًا نَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ طِبْت وَطَابَ مَمْشَاك وَتَبَوَّأْت مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: إذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ , أَوْ زَارَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: طِبْت وَطَابَ مَمْشَاك وَتَبَوَّأْت مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ . وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ يُجِيبُ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَزِيدِ التَّرْغِيبِ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ:) قَوْلُ النَّاظِمِ رحمه الله تعالى تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ يَمْشِي قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ اعْتِبَارُ الْمَشْيِ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ , وَلَعَلَّ مُحْتَرَزَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(لِلثَّانِي) فِي جُمْلَةٍ مِنْ آدَابِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ , يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ لِحَدِيثِ إذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَقِيلَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَعُودُ مَرِيضًا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ . , وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الْعِيَادَةُ بَعْدَ ثَلَاثٍ سُنَّةٌ , وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَبَّاسٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: عِيَادَةُ الْمَرِيضِ بَعْدَ ثَلَاثٍ , وَقَالَ عَنْ الْأَعْمَشِ: كُنَّا نَقْعُدُ فِي الْمَجْلِسِ , فَإِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَأَلْنَا عَنْهُ , فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا عُدْنَاهُ , وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يُعَادُ الْمَرِيضُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ: بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّوَاهِدِ تَنْفِي عَنْهُ الْوَضْعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَنْ تَكُونَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا , وَتُكْرَهُ وَسَطَ النَّهَارِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَنْ قُرْبٍ وَسَطُ النَّهَارِ لَيْسَ هَذَا وَقْتَ عِيَادَةٍ , وَنَصُّ الْإِمَامِ G4 الْعِيَادَةُ فِي رَمَضَانَ تَكُونُ لَيْلًا ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَأَى مِنْ الْمَرِيضِ مَا يُضْعِفُهُ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَائِدِ , وَلَا يُعَادُ مُبْتَدِعٌ وَمُجَاهِرٌ بِمَعْصِيَةٍ وَتُحَرَّمُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ , وَتَقَدَّمَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَمِنْهُمْ مُغِبًّا عُدْهُ خَفِّفْ وَمِنْهُمْ اللَّذِي يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ مِنْ مُتَوَرِّدٍ (فَمِنْهُمْ) أَيْ الْمَرْضَى مَنْ يُثْقِلُهُ كَثْرَةُ الْعِيَادَةِ (الْمَرِيضُ) فَعُدْهُ (مُغِبًّا عُدْهُ) أَنْتَ مُرَاعَاةً لِحَالِهِ لِعَدَمِ إيثَارِهِ كَثْرَةَ التَّرَدُّدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَارَةِ لَهُ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَغِبُّ بِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى , وَفِي الْفُرُوعِ مِثْلُهُ , ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ خِلَافَهُ وَيُتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ , وَالْعَمَلِ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ وَمُرَادِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ , وَهِيَ تُشْبِهُ الزِّيَارَةَ , وَهَذَا اخْتِيَارُ النَّاظِمِ رحمه الله تعالى , وَالْغِبُّ يَوْمٌ وَيَوْمٌ قَالَ فِي الْمُطْلِعِ فِي قَوْلِهِ: وَيُدْهِنُ غِبًّا أَيْ يُدْهِنُ يَوْمًا وَيَدَعُ يَوْمًا مَأْخُوذٌ مِنْ غِبِّ الْإِبِلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ أَنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا قَالَ: وَأَمَّا الْغِبُّ فِي الزِّيَارَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ: فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا انْتَهَى وَاقْتَصَرَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ عَلَى أَنَّ الْغِبَّ يَوْمٌ بَعْدَ يَوْمٍ وَفِي لَامِيَّةِ ابْنِ الْوَرْدِيِّ: غِبْ وَزُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا فَمَنْ أَكْثَرَ التَّرْدَادَ أصماه الْمَلَلُ قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ غِبْ عَنْ صَدِيقِك بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ لِيُحَرِّكَ كُلًّا مِنْكُمَا الشَّوْقُ إلَى الْآخَرِ وَزُرْ غِبًّا اقْتَبَسَ الْحَدِيثَ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ , وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ , وَهُمَا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ . وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنُ عَمْرٍو وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهم , وَكَثْرَةُ طُرُقِهِ تُكْسِبُهُ قُوَّةً يَبْلُغُ بِهَا دَرَجَةَ الْحَسَنِ انْتَهَى . وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ رحمه الله تعالى فِيهِ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا الْغِبُّ فِي أَوْرَادِ الْإِبِلِ أَنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا , ثُمَّ تَعُودُ فَنَقَلَهُ إلَى الزِّيَارَةِ , وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَيَّامٍ , وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ , وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابٌ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا , وَنَقَلَ حَدِيثَ غَشَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَمَزَ بِالتَّرْجَمَةِ إلَى تَوْهِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ أَكْثَرُهَا غَرَائِبُ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ . وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ قَالَ , وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ قَالَ: وَأَقْوَى طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْثَالِ بِأَنَّهُ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ , وَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ شَائِعًا فِي الْمُتَقَدِّمِينَ , ثُمَّ أَنْشَدَ لِأَبِي الْهِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ: ألله يَعْلَمُ أَنَّنِي لَك أَخْلَصُ الثَّقَلَيْنِ قَلْبًا لَكِنْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا زُورُوا عَلَى الْأَيَّامِ غِبًّا وَلِقَوْلِهِ مَنْ زَارَ غِبًّا مِنْكُمْ يَزْدَادُ حُبًّا قَالَ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوجِزَ فَيَقُولُ: لَكِنْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا مَنْ زَارَ غِبًّا زَادَ حُبًّا (ثُمَّ أَنْشَدَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرْطُبِيِّ رَاوِي الْمُوَطَّأِ) أَقِلَّ زِيَارَةَ الْإِخْوَانِ تَزْدَدْ عِنْدَهُمْ قُرْبًا , فَإِنَّ الْمُصْطَفَى قَدْ قَالَ زُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا , وَمِنْهُ حَدِيثُ: أَغِبُّوا فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَيْ لَا تَعُودُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِمَا يَجِدُ مِنْ ثِقَلِ الْعُوَّادِ انْتَهَى . (وَفِي الْفُرُوعِ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ الْحَرَّانِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الشِّعْرَ الْمَشْهُورَ) لَا تُضْجِرْنَ عَلِيلًا فِي مُسَاءَلَةٍ إنَّ الْعِيَادَةَ يَوْمٌ بَيْنَ يَوْمَيْنِ , بَلْ سَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَادْعُ الْإِلَهَ لَهُ وَاجْلِسْ بِقَدْرِ فَوَاقٍ بَيْنَ حلبين مَنْ زَارَ غِبًّا أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ , فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى وَ (خَفِّفْ) فِي الْعِيَادَةِ وَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ لِإِضْجَارِهِ , وَمَنْعِ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ وَعَنْهُ كَبَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمْعَةِ , وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْعَمَلِ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ ومرادهم فِي الْجُمْلَةِ . وَهَذَا اخْتِيَارُ النَّاظِمِ ; وَلِذَا قَالَ: (وَمِنْهُمْ) أَيْ الْمَرْضَى (الَّذِي) لَا يُحِبُّ التَّخْفِيفَ , بَلْ (يُؤْثِرُ) أَيْ يَطْلُبُ وَيُحِبُّ وَيُقَدِّمُ (التَّطْوِيلَ) أَيْ تَطْوِيلَ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ الْكَائِنِ (مِنْ) صَدِيقٍ وَنَحْوِ (مُتَوَرِّدٍ) أَيْ طَالِبِ الْوُرُودِ إلَيْهِ مِنْ وَرَدَ الْمَاءَ , وَالْمُرَادُ مِنْ صَدِيقٍ عَائِدٍ . فَفَكِّرْ وَرَاعِ فِي الْعِيَادَةِ حَالَ مَنْ تَعُودُ وَلَا تُكْثِرْ سُؤَالًا تنكد (فَ) إذَا فَهِمْت هَذَا مَعَ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فَ (فَكِّرْ) أَيْ اسْتَعْمِلْ فِكْرَك فِي إطَالَةِ الْجُلُوسِ عِنْدَ مَنْ عُدْته وَعَدَمِهَا يَدُلُّك صَحِيحُ الْفِكْرِ مَعَ الْقَرِينَةِ عَلَى الْأَصْلَحِ مِنْهَا , قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْفِكْرُ بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ إعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ كَالْفِكْرَةِ , وَالْفِكْرِيِّ انْتَهَى . وَفِي مفتاح دَارِ السعادة الْفِكْرُ هُوَ إحْضَارُ مَعْرِفَتَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْتَثْمِرُ مِنْهُمَا مَعْرِفَةً ثَالِثَةً , وَمِثَالُ ذَلِكَ أَحْضَرَ فِي قَلْبِهِ الْعَاجِلَةَ وَعَيْشَهَا وَنَعِيمَهَا وَمَا تَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ الْآفَاتِ وَانْقِطَاعِهِ وَزَوَالِهِ , ثُمَّ أَحْضَرَ فِي قَلْبِهِ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا وَلَذَّتَهَا وَدَوَامَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا وَجَزَمَ بِهَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ , أَثْمَرَ لَهُ ذَلِكَ عِلْمًا ثَالِثًا , وَهُوَ أَنَّ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا الْفَاضِلَ الدَّائِمَ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ بِإِيثَارِهِ مِنْ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغَّصَةِ (وَ) إذَا وَصَلَ بِك صَحِيحُ الْفِكْرِ إلَى الْمَطْلُوبِ (رَاعِ) مِنْ الْمُرَاعَاةِ أَيْ لَاحِظْ وَرَاقِبْ بِحِسِّ فِكْرِك (فِي الْعِيَادَةِ) لِلْمَرِيضِ (حَالَ مَنْ) أَيْ مَرِيضٍ عُدْته , أَوْ الَّذِي (تَعُودُ) . فَإِنْ كَانَ يُؤْثِرُ تَكْرَارَ الزِّيَارَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْك فَلَا بَأْسَ بِإِتْيَانِهِ وَإِلَّا فَبِحَسَبِ مَا يَقْدَحُ فِكْرُك مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَا الْإِطَالَةُ فِي الْجُلُوسِ وَعَدَمُهَا فَزِنْ ذَلِكَ بِمِيزَانِ فِكْرِك الصَّحِيحِ دُونَ الْوَهْمِ , وَالْخَيَالِ وَاعْتَبِرْ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ وَضَعْ يَدَك عَلَيْهِ .
وَأَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ , وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ , وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْعِيَادَةِ أَنْ تَضَعَ يَدَك عَلَى الْمَرِيضِ , وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ وَغَيْرُهُ وَخُذْ بِيَدِ الْمَرِيضِ وَقُلْ: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَعُودُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَيَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَأْسَ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها , وَيَدْعُو لِلْمَرِيضِ بِالْعَافِيَةِ وَالصَّلَاحِ , وَمِمَّا وَرَدَ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك سَبْعًا . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك إلَّا عُوفِيَ , وَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ , وَالْإِخْلَاصَ , والمعوذتين وَقَوْلَ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَك يَنْكَأُ لَك عَدُوًّا , أَوْ يَمْشِي لَك إلَى صَلَاةٍ . وَصَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام عَادَهُ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيك مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيك مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ , أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيك بِاسْمِهِ أَرْقِيك . (وَلَا تُكْثِرْ) أَيُّهَا الْعَائِدُ عَلَى الْمَرِيضِ (سُؤَالًا) , فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ (تُنَكِّدْ) عَلَيْهِ عَيْشَهُ يُقَالُ: نَكَدَ عَيْشُهُمْ كَفَرِحَ اشْتَدَّ وَعَسِرَ وَنَاكَدَهُ عَاسَرَهُ وَتَنَاكُدًا تَعَاسُرًا , وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ كَثْرَةَ سُؤَالِ الْمَرِيضِ تَعْسُرُ عَلَيْهِ وَتَصْعُبُ وَتُضْجِرُهُ وَتَثْقُلُ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِحَالِهِ مُتَنَصِّلًا مِنْ ذَنْبِهِ وَضَلَالِهِ . رَاجِيًا عَفْوَ رَبِّهِ . خَائِفًا مِنْ وَصْمَةِ ذَنْبِهِ , بَلْ يَسْأَلُ الْعَائِدُ الْمَرِيضَ عَنْ حَالِهِ نَحْوُ كَيْفَ تَجِدُك؟ وَيُنَفِّسُ لَهُ فِي أَجَلِهِ بِمَا يُطَيِّبُ بِهِ نَفْسَهُ إدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْفُرُوعِ .
|